مؤسس المدارس النظامية
يعد الوزير نظام الملك السلجوقي من أكثر الشخصيات تأثيراً أيام السلطان ألب أرسلان . ويذكر المؤرخون أن نظام الملك أحد أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي . وقد صاحب السلطان في معظم حروبه وفتوحاته.
شجع هذا الوزير الشخصيات الشهيرة في الآداب والعلوم في زمانه مثل الشاعر (عمر الخيام) وكان فلكياً نابغة . كما أنشأ المجامع العلمية في بغداد وأشهرها المدرسة النظامية عام 1067 م. من تلاميذ هذة المدرسة ، عماد الدين الأصفهاني و بهاء الدين شداد اللذان خدما السلطان صلاح الدين الأيوبي ،السعدي الشاعر الفارسي مؤلف بستان السعدي ، كما درس بها شيخ الشافعية أبو إسحاق الشيرازي و عبد الله بن تومرت) مؤسس دولة الموحدين أفريقيا ) و أبو حامد الغزالي مؤلف كتاب ( إحياء علوم الدين ) ورائد عصر الإصلاح الديني الذي مهد لجيل صلاح الدين الأيوبي .
ألف نظام الملك كتاباً في فنون الحكم يعرف بإسم ( سياست نامه / سير الملوك ) تحدث فيه عن تنظيم الحكم وعن ضرورة قيام العدل، وتنظيم أمور الدولة والاستقطاع، وتنظيم الإدارة والجيش، وتاريخ العلاقة بين السلطة المركزية في عصر السلاجقة.
نشأته و ظهوره :
ولد نظام الملك سنة 408 هجري بنوقان إحدى مدينتي طوس، توفيت أمه وهو رضيع، كانت من عائلة آل حميد الدين الطوسي الذين كان أكثرهم وزراء. وقد عُني به أبوه فتعلم العربية وحفظ القرآن الكريم وهو في سن الحادية عشر وألم بالفقه على مذهب الإمام الشافعي وسمع الحديث و درس الآداب التي تتعلق بأمور الحكم.
في مطلع شبابه اتصل بخدمة علي بن شاذان والي مدينة بلخ وعمل كاتبا له وقصد داوود بن ميكائيل السلجوقي والد السلطان ألب أرسلان فظهر لداوود منه النصح والموهبة فسلمه إلى ولده ألب أرسلان وقال له : (( اتخذه والدا ولا تخالفه فيما يشير به ((.
كان لنظام الملك صديقي دراسة هما: حسن الصباح وعمر الخيام وأقسم جميعهم على مساعدة بعضهم في حال نجاح أحدهم في حياته وتوليه لمنصب رفيع . كان النجاح الأول من نصيب نظام الملك ، الذي احتل منصبا رفيعا يتمثل في وزير السلطان السلجوقي. لم يَنْسَ نظام الملك قسمه الذي قطعه مع أصحابه ، وعليه فقد أمر بصرف راتب ثابت للشاعر عمر الخيام بينما أسند لحسن بن صباح منصبا رفيعا في الدولة.
لكن ، حدث ما لم يكن بالحسبان. فقد تمكن حسن الصباح من منافسة نظام الملك في السلطة مما اضطر الأخير لطرده من السلطة عن طريق مؤامرة حيكت من قبله. وحينها اقسم بن صباح على الانتقام من صديقه. ومن هنا تبدأ حلقة من الصراع بينهما ، انتهت آخر فصولها باغتيال الوزير نظام الملك بنهاوند.
توليه الوزارة :
تولى الوزارة للسلطان السلجوقي ألب أرسلان ثاني سلاطين الدولة السلجوقية واعتمد من أول يوم لوزارته سياسة تقريب الرجال الأكفاء الصالحين وإشترك مع ألب أرسلان في معركته الشهيرة ملاذكرد ضد الروم وعلا قدره عند ألب أرسلان جداً وحاول السعاة والوشاة أن يغيروا قلبه تجاه نظام الملك ولكنه لم يسمع لهم وعند موته أوصى ولده ملكشاه أن يتخذ نظام الملك وزيراً من بعده وبالفعل صار نظام الملك لملكشاه وظل على كفاءته ومقدرته العالية في إدارة البلاد.
ظهرت قوة الوزير نظام الملك وتكرس نفوذه بعد وفاة ألب أرسلان ، فوقف إلى جوار ابنه الأكبر ملكشاه ، وكان الصراع حينها محتدما بين أفراد البيت السلجوقي ، لكن ملكشاه كان أرجحهم كفة، وأقواهم نفوذا، فضلا عن مؤازرة الوزير نظام الملك وتأييده له، فتولى السلطنة، وأسند الوزارة إلى نظام الملك حتى تستقر الأوضاع ويعم الأمن أرجاء الدولة.
كان السلطان الجديد في سن العشرين عندما تولى الحكم، في حين كان وزيره في الخامسة والخمسين ، سياسيا محنكا، صهرته التجارب والأيام، وخبر الحكام والسلاطين، وهو ما جعل السلطان الجديد يجلّه ويحترمه، ويخاطبه بكل تبجيل ويناديه بالعم، ويلقي إليه بمقاليد الأمور، ويضع فيه ثقته، قائلاً له: «قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنت الوالد» .
أدت هذه العلاقة الوثيقة بين السلطان ووزيره إلى ازدهار الدولة وبلوغها ذروة المجد ، حيث أصبحت أكبر قوة في العالم آنذاك .
لم يكن وزيرًا لامعًا وسياسيًّا ماهرًا فحسب؛ بل كان داعيًا للعلم والأدب محبًّا لهما؛ وهو اول من أنشأ المدارس المعروفة باسمه «المدارس النظامية» ، وأجرى لها الرواتب، وجذب إليها كبار الفقهاء والمحدِّثين، وفي مقدِّمتهم حُجَّة الإسلام «أبو حامد الغزالي».
وقد كان نظام المُلك مهتماً بنشر المذهب السني والقضاء على الحركة الشيعية ، واعتقد أن غزو بلادهم وانتزاع فارس من قبضة البويهيين لم يَكن كافياً لذلك. ولذا فقد قرر نظام الملك البدأ بإنشاء سلسلة من المدارس التي تعلم الدين حسب تعاليم مذهب السنة ، وبشكل أكثر خصوصاً المذهب الشافعي بسبب كون نظام نفسه شافعياً ، فبدأ بتأسيس أولى هذه المدارس في مدينة بغداد عام 457 هـ، وانتهى بناؤها في شهر ذي القعدة عام 459 هـ وحضرها جمع عظيم من سكان بغداد عند افتحاحها ، وقد كلف بالتدريس بها أبو إسحاق الشيرازي. وقد كانت مواقع إنشاء أولى المدارس النظامية هي
صرف نظام الملك مبالغ هائلة في المدارس ، وحرص على أن توفر راحة كاملة للطلاب ، فخصص سكناً للمدارس لكي يُقيم به طلابها ، وأعطى كل واحد منهم أربعة أرطال من الخبز كل يوم لإعالته، وبنى في كل مدرسة مكتبة ضخمة تشبع اهتمامات الطلاب ، وقيل إن تكاليف بعض هذه المدارس وصلت إلى 10 آلاف دينار، وعدد طلابها وصل إلى 300 طالب. وفضلاً عن هذا فقد اهتم نظام الملك بأن يَزور بنفسه هذه المدارس دورياً وأن يَتأكد من أن أمورها تجري جيداً ، فقد زار مثلاً في عام 480 هـ مدرسة بغداد واطلع على أحوالها ودرس بها قليلاً. كان يُشترط لتعيين مدرس في مدرسة نظامية أن يَكون شافعياً ، وكانت هناك عدة مناصب إدارية في هذه المدارس هي: المدارس (من يُلقي الدروس) والنائب (من يَنوب عن المدرس في الإلقاء إذا لم يَستطع ذاك الحضور) والمعيد (طالب يُعيد الدرس للطلاب الآخرين ويُساعدهم على فهمه إن تطلب الأمر). وعندما كان يُنهي الطلاب تعلمهم في المدارس كانوا يُقدمون طلباً للحصول على "الإجازة"، وهي وثيقة تشبه الشهادة تثبت أنهم درسوا وتعلموا في هذه المدارس، والتي تتيح لهم لاحقاً الالتحاق بوظائف مثل القضاء ولإفتاء والتدريس وغيرها.
نهاية نظام الملك :
كان نظام الملك بعد ما كبرت سنه يستعين بأبنائه وأقاربه في إدارة أقاليم الدولة ، وكان لهؤلاء نفوذ كبير في الدولة ؛ استمدادًا من نفوذ نظام الملك نفسه، وكان بعضهم يسيء استخدام السلطة ويستغل نفوذه في مآربه الخاصة، وهو ما أعطى الفرصة لحسّاد نظام الملك أن يفسدوا العلاقة بينه وبين السلطان ملكشاه، ونجحت مساعيهم في ذلك، حتى همّ السلطان بعزله.
قُتل الوزير نظام الملك في أصبهان في 10) رمضان 485 هـ) ( 14 أكتوبر (1092على يد أحد غلمان فرقة الباطنية المعروفة بالحشاشين ، حيث حين تقدم إليه وهو في ركب السلطان في صورة سائل أو زاهد، فلما اقترب منه أخرج سكينًا كان يخفيها وطعنه طعنات قاتلة، فسقط صريعاً. وكان نظام الملك شديد الحرب على المذاهب الهدّامة وبخاصة مذهب الباطنية فأرادوا التخلص منه بالقتل.
ورغم الإمساك بقاتله إلا أنه قال، كما يروي بعض خدامه: «لا تقتلوا قاتلي فإني قد عفوت عنه وتشهد ومات». وخلفه في الوزارة أحد خصومه وهو تاج الدين الشيرازي، الذي على ما يبدو لم يكن خير خلف لخير سلف.
وبعد وفاة نظام الملك بخمسة وثلاثين يوماً توفي السلطان ملك شاه، في 15) شوال 485هـ 18 ) ( نوفمبر 1092م ( فانطوت صفحة من أكثر صفحات التاريخ السلجوقي تألقًا وازدهارًا.
المصدر : ويكيبيديا
إرسال تعليق