قصة نجاح من أجل الحرية
ولد نيلسون مانديلا في منطقة ترانسكاي في أفريقيا الجنوبية (18 يوليو 1918) وكان والده رئيس قبيلة، وقد توفي عندما كان نيلسون لا يزال صغيرًا، إلا إنه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب.
كانت جنوب أفريقيا خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل، إذ لم يكن يحق للسود الانتخاب, ولا المشاركة في الحياة السياسية أو إدارة شؤون البلاد.
أحس مانديلا وهو يتابع دروسه الجامعية بمعاناة شعبه؛ فانتمى إلى حزب المجلس الوطني الأفريقي (المعارض للتمييز العنصري سنة 1944.
سنة 1952 بدأ الحزب ما عرف ب (حملة التحدي) وكان مانديلا مشرفًا مباشرًا على هذه الحملة، فجاب البلاد كلها محرضًا الناس على مقاومة قوانين
التمييز العنصري، خاطبًا ومنظمًا للمظاهرات والاحتجاجات. فصدر ضده حكم بالسجن مع عدم التنفيذ.
عام 1952 افتتح مانديلا مع رفيقه أوليفر تامبو أول مكتب محاماة للسود في جنوب أفريقيا، وخلال تلك السنة صار رئيس الحزب في منطقة الترانسفال، ونائب الرئيس العام في جنوب أفريقيا كلها. وقد زادته ممارسة المحاماة عنادًا وتصلبًا في مواقفه، إذ سمحت له بالاطلاع مباشرة على المظالم التي كانت ترتكب ضد أبناء الشعب الضعفاء، وفي الوقت نفسه على فساد وانحياز السلطات التنفيذية والقضائية، بشكل كان معه حصول مواطن أسود على حقوقه نوعًا من المستحيل.
قدمت نقابة المحامين اعتراضًا على السماح لمكتب مانديلا للمحاماة بالعمل، ولكن المحكمة العليا ردت الاعتراض، ولكن حياة مانديلا لم تعرف الهدوء منذ تلك الساعة. فبعد سلسلة من الضغوط الرسمية والبوليسية؛ اضطر مانديلا إلى الإعلان رسميًا عن تخليه عن كافة مناصبه في الحزب، ولكن ذلك لم يمنع الحكومة من إدراج اسمه ضمن لائحة المتهمين بالخيانة العظمى في نهاية الخمسينات. وقد تولى هو, ودوما نوكوي الدفاع ونجحا في إثبات براءة المتهمين.
في 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر؛ للتدريب العسكري, ولترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب.
عند عودته إلى جنوب أفريقيا (1962) ألقي القبض عليه بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية, والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف. وقد تولى الدفاع عن نفسه بنفسه، ولكن المحكمة أدانته بالتهم الموجهة إليه وحكمت عليه بالسجن مدة 5سنوات. وفيما هو يمضي عقوبته بدأت محاكمة (ريفونيا) التي ورد اسمه فيها فحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأعمال التخريب.
لم يغير مانديلا مواقفه وهو داخل السجن، بل ثبت عليها كلها، وكان مصدرًا لتقوية عزائم سواه من المسجونين وتشديد هممهم، وفي السبعينات رفض عرضًا بالإفراج عنه شريطة أن يعود إلى قبيلته في رنسكاي؛ وأن يخلد إلى الهدوء
والسكينة، كما رفض عرضًا آخر بالإفراج عنه في الثمانينات مقابل إعلانه رفض العنف.
ولكنه بعد الإفراج عنه يوم الأحد 11 شباط فبراير 1990 أعلن وقف الصراع المسلح وبدأ سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993، معتمدا مبدأ حكم الأكثرية وسامحًا للسود بالتصويت ولقد منح مانديلا جائزة نوبل والعديد من شهادات الشرف الجامعية.
وقد جرت أولى الانتخابات في 27 نيسان (أبريل) 1994 وأدت إلى فوز مانديلا فأقسم اليمين الدستورية في 10 أيار (مايو) متوليا الحكم.
من أقواله التي خلدها التاريخ:
(لقد علمني مشواري الطويل على درب الحرية, بأن النجاح في التسلق إلى قمة جبل ما يكشف للمرء أن المزيد من هذه القمم في انتظاره؛ حتى يتسلقها واحدة تلو الأخرى).
وقال حين كان مسجونًا سجنًا مؤبدًا:
(إنني في قرارة نفسي إنسان متفائل, وإن كنت لا أدري إن كان ذلك في طبيعتي أم في طبعي, ومن علامات التفاؤل أن يحافظ المرء على رأسه مرفوعا نحو السماء, وأن تكون خطاه متجهة إلى الأمام, لقد مرت بي لحظات عديدة اهتزت خلالها ثقتي بالإنسانية, ولكنني لم ولن أستسلم لليأس فذلك هو السبيل إلى الإخفاق والموت المحقق).
وقال أيضًا في لحظة توليه الحكم بعد نضال استمر ثلاثين عامًا:
(لقد سرت على طريق الحرية الطويل, وبذلت جهدي كي لا أتداعى أو أسقط وإن تعثرت خطواتي أحيانًا, ولكنني اكتشفت سرًا يقول: إن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً عظيمًا وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها).
*قصة رائعة لمناضل آمن بالقضية التي يدافع عنها.. ولم تمنعه غيوم اليأس السوداء التي كانت تتجهم كثيرًا في سمائه من إكمال مشواره نحوها, وقد فعل فاستحق ما وصل إليه!
المصدر : كتاب هكذا هزموا اليأس
إرسال تعليق